السؤال:
هل الدعاء عند القبر للميت بصوت مرتفع يعد بدعة أم أنه من السنة النبوية؟ تعرف على حكم الدعاء على القبور وأفضل الطرق المشروعة لذكر الله والدعاء للمتوفى.
الجواب:
أولا:
“كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، إذا فرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ علَيهِ (أي وقف أمام القبر)، فقالَ: استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ”
رواه أبو داوود بإسناد صحيح
هذا الحديث دليل على أنه من السنة الدعاء على القبر للميت بعد دفنه، والأمر بالدعاء والاستغفار للميت الوارد في الحديث أمر عام؛ حيث لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا بد أن تدعوا للميت سرا”، ولم يقل: “وادعوا للميت جهرا”، بل أمرنا بالدعاء والاستغفار للميت بأي طريقة نشاء.
فإذا دعا الناس للميت سرا فرادى فقد وافقوا السنة، وإذا دعوا جهرا جماعة (يدعو شخص ويقوم الباقون بالتأمين)، فهذا أيضا من السنة.
ثانيا:
أجمع علماء أصول الفقه على أن تخصيص الأمر العام لا يجوز بدون دليل. فكما سبق، الأمر بالدعاء والاستغفار للميت أمر عام، يشمل استحباب الدعاء سرا واستحبابه جهرا. فمن يزعم أن الدعاء سرا فقط هو السنة، يُقال له: أين الدليل؟ هل قال النبي صلى الله عليه وسلم “لابد أن تدعو سرا”؟
ثالثا:
ثبت عن بعض الصحابة أنهم دعوا جهرا للميت؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (11705) بسند صحيح عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كان أنس بن مالك إذا سوي على الميت قبره قام عليه (أي وقف أمام القبر) وقال: “اللهم عبدك رُدَّ إليك فارأف به وارحمه، اللهم جاف الأرض عن جنبه، وافتح أبواب السماء لروحه، وتقبله منك بقبول حسن، اللهم إن كان محسنا فضاعف له في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه”.
يستفاد من هذه الرواية عدة أمور:
- أن سيدنا أنس كان يجهر بالدعاء للميت على القبر؛ فلو كان يدعو سرا، كيف سمعه الناس وحفظوا الدعاء ونقلوه إلينا؟ إذن: ثبت عن سيدنا أنس بن مالك أنه كان يدعو للميت على القبر جهرا.
- لا يقول قائل أن سيدنا أنس كان يدعو وحده بصوت عال؛ فالدعاء بصوت عال بشكل فردي فيه تشويش على الداعين، ومثل هذا لا يصدر عن صحابي جليل كأنس بن مالك، بل كان دعاء جماعيا، أي: كان يجهر بالدعاء ويقوم الحاضرون بالتأمين على دعائه.
- حين يقوم الصحابي الجليل أنس بالدعاء جهرا على القبر، فهذا يشير بشكل قاطع إلى أن الدعاء جهرا للميت سنة وليس بدعة كما يزعم البعض.
- لم ينكر أحد من الصحابة على أنس دعاءه جهرا؛ لم يقل له أحدهم: “الدعاء جهرا بدعة يا أنس، كيف تفعل ذلك؟”؛ فالصحابة لم يصمتوا على بدعة، وبالتالي فإن دعاء أنس جهرا وعدم إنكار أحد من الصحابة عليه يعد إجماعا منهم على أن الدعاء للميت جهرا أمر مشروع ومستحب.
رابعا:
الدعاء جهرا للميت أفضل، لأنه أخشع للقلوب وأنفع للميت، ويعين الناس على الدعاء. ليس كل الناس يجيدون الدعاء وحدهم، وكثيرا ما نجد أن الناس ينصرفون ولا يدعون إذا قيل لهم ادعوا سرا؛ فهل هذا الأنفع للميت؟ لا، بل الأنفع للميت أن يجهر شخص بالدعاء ويؤمّن الباقون.
مثال من القرآن الكريم:
“وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”
(يونس: 88)
قال الله عز وجل بعدها مباشرة: “قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”
(يونس: 89).
مع أن الداعي شخص واحد وهو سيدنا موسى، إلا أن الله عز وجل نسب الدعاء لشخصين (قد أجيبت دعوتكما)، ويقول الإمام الطبري وغيره في التفسير: كان موسى يدعو، وأخوه هارون يقوم بالتأمين، فالتأمين دعاء.
وبالله عز وجل التوفيق.