بعد المقالة السابقة التي فصلت فيها الموقف من الحرب بين إيران والصهاينة وردني سؤال : تقول يا شيخ أن الشيعة الإمامية الاثنى عشرية أقرب إلينا من اليهود , وأن اليهود أشد عداوة وخطر علينا من الشيعة مستدلا بقول الله عز وجل : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } , كيف تقول ذلك يا شيخ مع أن الشيعة الرافضة مشركين , والآية تقول ” اليهود والذين أشركوا ” , إذن فخطر الشيعة الرافضة علينا مثل اليهود تماما , فهما وجهان لعملة واحدة , وياريت تقرأ عقائد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية جيدا يا شيخ قبل ما تقول أنهم أقرب إلينا من اليهود ..
وكان جوابي عليه كالتالي :
أولا : أخي وحبيبي في الله : أحب أقول لك أني لم أقرأ عقائدهم فقط , بل موضوع رسالة الماجستير الخاصة بي متعلق بالشيعة الاثنى عشرية .
ثانيا : أما قولك أنهم داخلون في قوله عز وجل ” والذين أشركوا ” ! فكلام غير صحيح على إطلاقه هكذا أبدا !
فالمراد بالمشركين في الآية : المشركون شركا أصليا كعباد الأصنام وأشباههم , أما من ينتسبون للمسلمين حتى لو أتوا بأفعال شركية فلا يحكم عليهم بالشرك إلا بعد إقامة الحجة عليهم ونفي الجهل عنهم , وقبل إقامة الحجة عليهم فهم مسلمون معذورون بجهلهم .
فقولك عن الشيعة الرافضة أن جميعهم مشركون ! قول غير صحيح ومجازفة كبيرة منك سامحني !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا، ليسوا زنادقة منافقين، لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم ” , منهاج السنة (2/ 452).
وفي موضع آخر نص على أنه لا يكفر المعين منهم إلا بتوفر شروط وانتفاء موانع، وفي هذا المعنى يقول :” وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران، وهما روايتان عن أحمد، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية، والرافضة ونحوهم، والصحيح: أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع، لكن تكفير الواحد المعين منهم، والحكم بتخليده في النار، موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له ” , مجموع الفتاوى (28/ 500).
فهذا نص من ابن تيمية على ما يعتقده هو في الرافضة، وأنه لا يكفرهم بمجرد كونهم رافضة، بل لا بد من توفر شروط وانتفاء موانع، ولهذا قرر هنا أن أقوالهم كفر، وأما أعيانهم ( أي كل شخص بعينه منهم ) فليسوا كفارا، فقد فرق بين أقوالهم وبين حكمهم في أنفسهم.
وهذا من ابن تيمية تطبيق للقاعدة العظيمة في باب الوعد والوعيد، وهي التفريق بين الكلام في الوصف المطلق، والكلام في المعين، وهذه القاعدة من أهم القواعد التي طبقها ابن تيمية في حكمه على الفرق والمخالفين .
والمراد بتحقق الشروط وانتفاء الموانع : أي إقامة الحجة .
وقال ابنُ القَيِّمِ: ” أهلُ البدَعِ الموافِقونَ لأهلِ الإسلامِ، ولكِنَّهم مُخالفونَ في بَعضِ الأُصولِ كالرَّافِضةِ والقدَريَّةِ والجهميَّةِ وغُلاةِ المُرجِئةِ ونَحوِهم، هؤلاء أقسامٌ:
أحَدُها: الجاهِلُ المُقَلِّدُ الذي لا بَصيرةَ له، فهذا لا يُكفَّرُ ولا يُفسَّقُ، ولا تُرَدُّ شَهادتُه، إذا لم يكُنْ قادِرًا على تَعَلُّمِ الهدى، وحُكمُه حُكمُ المُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلدانِ الذين لا يستَطيعونَ حيلةً ولا يهتَدونَ سَبيلًا، فأولئك عسى اللهُ أن يعفوَ عنهم، وكان اللهُ عَفوًّا غَفورًا.
القِسمُ الثَّاني: المُتَمَكِّنُ مِنَ السُّؤالِ وطَلَبِ الهدايةِ، ومَعرِفةِ الحَقِّ، ولكِن يترُكُ ذلك اشتِغالًا بدُنياه ورياسَتِه، ولذَّتِه ومَعاشِه، وغَيرِ ذلك، فهذا مُفرِّطٌ مُستَحِقٌّ للوعيدِ، آثِمٌ بتَركِ ما وجَبَ عليه من تَقوى اللهِ بحَسبِ استِطاعَتِه، فهذا حُكمُه حُكمُ أمثالِه من تارِكي بَعضِ الواجِباتِ، فإن غَلبَ ما فيه مِنَ البدعةِ والهَوى على ما فيه مِنَ السُّنَّةِ والهدى رُدَّت شَهادَته، وإن غَلبَ ما فيه مِنَ السُّنَّةِ والهدى قُبِلت شَهادتُه.
القِسمُ الثَّالثُ: أن يسألَ ويطلُبَ، ويتَبَيَّنَ له الهدى، ويترُكَه تَقليدًا وتَعَصُّبًا، أو بُغضًا أو مُعاداةً لأصحابِه ( أي لأصحاب الهدى ) ، فهذا أقَلُّ دَرَجاتِه أن يكونَ فاسِقًا، وتَكفيرُه مَحَلُّ اجتِهادٍ وتَفصيلٍ ” , الطرق الحكمية)) (ص: 146
وأما قولك أن الرافضة واليهود وجهان لعملة واحدة , فيرد عليك شيخ الإسلام ابن تيمية : حيث لما سئل عمن يفضل اليهود والنصارى على الرافضة، أنكر هذا وقال: ” كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فهو خير من كل من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم ” , مجموع الفتاوى (35/ 201).
أرجوا بذلك أن تكون المسألة اتضحت للسائل الكريم ولجميع من يسألون سؤاله .
وبالله عز وجل التوفيق .
هل إذا ذكر خطيب الجمعة إسم النبي صلى الله عليه وسلم نصلي عليه جهرا أم سرا أم ننسط دون أن نصلي عليه صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال : الشرع أمرنا بالإنصات للخطيب أثناء خطبة الجمعة , فهل إذا قام الخطيب بذكر اسم النبي ,…